قبل إكتشاف خصائص وعلامات مرض التوحد عند الأطفال، كان هؤلاء الأبرياء يلاقون الأمرين من أسرهم ومن معلميهم في المدارس، حيث لم يكن المجتمع يعلم بحقيقة مأساتهم، وإنهم وإن بدوا مثل بقية الأطفال من حيث الشكل الخارجي إلا أن مرض التوحد الذي يعانون منه يجعلهم منفصلين عما يحيط بهم من أشياء، غير قادرين على التركيز في أي شيء، فكان جهل الأبوين بحالة طفلهم يجعلهم يوبخونه ليل نهار بأنه أبله وبليد، وقد يعاقبونه على بعض تصرفاته، فإذا أصبح في سن الدراسة قادوه إلى المدرسة ليواجه فيها ما هو أشد وأنكى من تعنيف وضرب وغير ذلك من الأمور، فيا لها من قسوة لا تطاق كان يواجهها أولئك الصغار الأبرياء، ولما أكتشف الأطباء والعلماء حقيقة مرض التوحد، أخذت بعض الدول تنشئ مراكز متخصصة لرعاية الأطفال التوحديين، بعضها على حساب الدولة وبعضها الآخر بتمويل من القطاع الخاص، إلا في بلادنا فقد ظل الحديث عن المرض وضحاياه من فلذات الأكباد قائما، ولكن مع ترك أسر الأطفال تعاني وحدها في رعايتهم والبحث في الدول المجاورة مثل الأردن والإمارات عن مراكز متخصصة لتأهيلهم، حيث تضطر تلك الأسر لوضعهم بعيدا عن والديهم، وقلوبهم تتقطع حسرة عليهم فلا هم قادرون على رعايتهم وتأهيلهم داخل بلادهم لعدم وجود مراكز للرعاية أهلية أم حكومية ولا هم قادرون على إبقائهم بلا تأهيل أو رعاية، لأنهم قد يؤذون أنفسهم ومن حولهم في السكن لإنفصالهم عن واقعهم وربما سهل إستغلالهم في أمور لا تخفى على ذي لب لو تركوا في المنزل وحدهم وانصرف ذووهم إلى أعمالهم ومصادر رزقهم، ولست أرى مبررا واحدا لتخلي المجتمع بشقيه الرسمي والشعبي عن أطفالنا التوحديين، تاركين أسرهم تواجه محنتها وحيدة من غير معين لهم على تحمل هذه المصاعب، ولا أدري ما هو موقف وزارة الشؤون الإجتماعية من هذه المأساة الإجتماعية وهل هي على علم بها أم أنها لا تعلم؟!.
بقلم: محمد أحمد الحساني.
المصدر: مركز واعي للإستشارات الإجتماعية.